إطلالة تاريخية على العلّامة الصوفي الريفي: سيدي عيسى بن محمد الراسي البطوئي

بمناسبة تنظيم جمعية إغربيوا للتنمية والعمل الخيري للدورة الأولى من ملتقى الولي الصالح سيدي عيسى بن محمد الراسي البطوئي، يوم الأحد 10 غشت 2025، بـ مدشر تيزي عدنيت ،المعروفة حاليا بدوار أيت لفقيه – جماعة دار الكبداني، إقليم الدريوش، نسلّط الضوء على هذه الشخصية الروحية والعلمية البارزة، التي أثرت في المشهد الصوفي والفكري بالريف الشرقي خلال القرن الحادي عشر الهجري.
وُلد سيدي عيسى البطوئي في قبيلة بني سعيد، خلال النصف الثاني من القرن العاشر الهجري (حوالي 980 هـ)، ونشأ في مدشر تيزي عدنيت( دوار أيت لفقيه)، حيث أسس والده مسجدًا أصبح مركزًا للعلم والتربية الدينية. تلقى تعليمه الأولي في هذا المسجد، وتتلمذ على يد نخبة من العلماء المحليين مثل: أحمد الفلالي، أحمد الراسي، أحمد السوسي، وعلي وارث الغساسي، ثم ارتحل إلى الحواضر الكبرى فاس وتلمسان، حيث نهل من كبار علماء زمانه، على رأسهم الشيخ محمد بن مريم التلمساني الذي منحه إجازة صوفية وعلمية كاملة، قائلاً فيه: “له ما لنا، وعليه ما علينا.”
ألف البطوئي كتابه الشهير “مطلب الفوز والفلاح في آداب أهل الفضل والصلاح” في مجلدين، يُعد من أمهات المؤلفات في التصوف المغربي، حيث جمع فيه تراجم لأكثر من خمسين من أعلام الصلاح والعلم، كما تناول فيه أصول التصوف، ونقد مظاهر الانحراف عنه، مسلطًا الضوء على القيم الحقيقية للزهد والورع والإصلاح.
ومن خلال نصوصه، نلمس مشروعًا علميًا وروحيًا متنورًا، هدف إلى ربط البادية الريفية بمراكز العلم الكبرى، وتحصينها من البدع والجهل، وهو ما تجلى في دوره التربوي بمسجد تيزي عدنيت، الذي تحول في عهده إلى منارة للثقافة الدينية والصوفية، يقصده طلبة العلم من مختلف أنحاء بطوية. وقد ورد في إحدى الرسائل التي بعث بها إليه أحد معاصريه:
“وسلم لنا على سيدي أحمد بن إبراهيم (الراسي)، وعلى سيدي إسماعيل، وعلى كافة إخواننا الطلبة.”
وهو ما يعكس عمق الأثر الذي تركه في المشهد العلمي والصوفي بالريف الشرقي.
إن الاحتفاء بهذه الشخصية الفذة، هو احتفاء بذاكرة علمية وروحية مشرقة، وبفكر صوفي متجذر في تراثنا، استطاع أن يبني جسرًا بين البادية والمدينة، بين الورع والعلم، وبين الروح والفكر.

