الكونغرس الأمريكي يضع “البوليساريو” تحت المجهر

وكالات
تشكل المبادرة التي أطلقها السيناتور الجمهوري جو ويلسون والنائب الديمقراطي جيمي بانيتا لتصنيف ميليشيات “البوليساريو” كمنظمة إرهابية أجنبية، تطورا لافتا في تعاطي المؤسسات الأمريكية مع ملف الصحراء المغربية. فبعيدا عن الزخم الإعلامي والدبلوماسي، تبرز هذه الخطوة كترجمة فعلية لمسار سياسي أمريكي متراكم، بدأت ملامحه تتبلور منذ اعتراف إدارة ترامب بمغربية الصحراء أواخر سنة 2020، وواصلت إدارة بايدن التفاعل معه من دون مراجعة أو تراجع.
المهم في هذه المبادرة التشريعية ليس فقط في مضمونها، بل في توقيتها ودلالتها، إذ يجمع مراقبون وخبراء، من ضمنهم الخبير في السياسات العمومية رضوان جخا، على أن المبادرة جاءت ثمرة جهد دبلوماسي مغربي هادئ وفعّال استطاع التغلغل داخل دوائر القرار الأمريكي، بما في ذلك الكونغرس، أحد أعمدة المؤسسة التشريعية الأمريكية.
ومن شأن هذا التطور أن يعيد توجيه بوصلة الملف داخل الفضاءات الغربية، ليس بوصف “البوليساريو” حركة تحرر كما تدعي، وإنما كجماعة مسلحة تمارس العنف المنظم، وتسعى إلى زعزعة الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء.
اللافت في المقترح هو تبنيه من طرف نائبين عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في لحظة سياسية أميركية تُميزها الانقسامات الداخلية الحادة. هذا التوافق الحزبي النادر حول ملف خارجي، يبرز بجلاء أن مسألة الصحراء المغربية لم تعد قضية إدارة أو رئيس، بل أصبحت قضية سياسة دولة أميركية، تتأسس على رؤية واضحة لاستقرار شمال إفريقيا، وعلى مصالح استراتيجية في مواجهة تمدد الجماعات المسلحة في الساحل، بما فيها تلك التي تتقاطع مع أجندة “البوليساريو”.
لكن، هل من المتوقع أن ينفذ القرار في القريب العاجل؟ الواقع السياسي الأمريكي يُشير إلى أن مسار إقرار قوانين من هذا النوع غالبًا ما يكون معقدًا ومتعدد المراحل، إذ يخضع لفحوص داخل اللجان المختصة، ولتفاوض بين الهيئات التشريعية والتنفيذية، قبل أن يُدمج في قانون أوسع، غالبًا ما يكون قانون الموازنة أو قانون الدفاع الوطني.
غير أن إدراج المبادرة في صيغتها الحالية بصيغة غير حزبية، يجعل احتمالات تبنيها واردة جدًا، خاصة إذا ما تم الدفع بها ضمن حزمة موجهة لمحاربة الإرهاب أو لحماية الأمن القومي الأمريكي في شمال إفريقيا.
وفي السياق ذاته، يحذر الباحث محمد سالم عبد الفتاح من خطورة الاستمرار في التعامل مع “البوليساريو” بمنطق الغموض أو التجاهل، مشددا على أن هذه الجبهة باتت تعتمد سلوكيات الجماعات الإرهابية من خلال العنف السياسي، والتهديد الإقليمي، واستغلال الوضع الإنساني في تندوف. ووفقًا لهذا المنطق، فإن تصنيفها ضمن خانة “الكيانات الإرهابية” لم يعد مجرد مقترح، بل ضرورة أمنية وأخلاقية يفرضها الواقع الجيوسياسي.
وفي حال تبني هذا القرار بشكل رسمي، فإن تداعياته ستكون ثقيلة على الجزائر، الداعم الأول للجبهة، حيث ستكون أمام خيارين أحلاهما مر: إما إعلان القطيعة التامة مع “البوليساريو” وطردها من تندوف، وهو ما يعد تراجعا استراتيجيا مكلفا على الصعيدين الداخلي والخارجي، أو رفض القرار، ما سيعني الدخول في تصادم مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية، بكل ما يحمله ذلك من تبعات دبلوماسية واقتصادية قد تعصف بما تبقى من رصيدها الإقليمي والدولي.
وبين التحرك التشريعي في الكونغرس الأمريكي، والمواقف المتنامية في أوروبا تجاه “البوليساريو”، يبدو أن مرحلة جديدة قد بدأت تتشكل في هذا النزاع الإقليمي، تقوم على الحزم والمساءلة، لا على المسايرة والمجاملة.
وما المبادرة الأخيرة إلا أولى المؤشرات على تحول عميق في فهم طبيعة الصراع، ونوعية الأطراف المنخرطة فيه، ومع ذلك، تبقى سرعة تنفيذ القرار رهينة بالسياق السياسي الأمريكي الداخلي، وإن كان الاتجاه العام يوحي بأن لحظة الحسم قد أصبحت أقرب من أي وقت مضى.